فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة التحريم:
مدنية.
وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهي ثنتا عشرة آية.
نزلت بعد الحجرات.
بِسْمِ الله الرّحْمنِ الرّحِيمِ

.[سورة التحريم: الآيات 1- 2]

{يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك تبْتغِي مرْضات أزْواجِك والله غفُورٌ رحِيمٌ (1) قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ والله موْلاكُمْ وهُو الْعلِيمُ الْحكِيمُ (2)}
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك حفصة، فقال لها: «اكتمي علىّ، وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتى»، فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين. وقيل: خلا بها في يوم حفصة، فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم، فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية. وروى أن عمر قال لها: لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك، فنزل جبريل عليه السلام وقال: راجعها فإنها صوّامة قوّامة، وإنها لمن نسائك في الجنة. وروى أنه شرب عسلا في بيت زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة فقالتا له: إنا نشم منك ريح المغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره التفل، فحرّم العسل، فمعناه {لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك} من ملك اليمين أو العسل. {وتبْتغِي} إما تفسير لتحرم. أو حال: أو استئناف، وكان هذا زلة منه لأنه ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ الله لأن الله عزّ وجل إنما أحلّ ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله، فإذا حرّم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة {والله غفُورٌ} قد غفر لك ما زللت فيه {رحِيمٌ} قد رحمك فلم يؤاخذك به {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} فيه معنيان، أحدهما: قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم، من قولك: حلل فلان في يمينه، إذا استثنى فيها. ومنه: حلا أبيت اللعن، بمعنى: استثن في يمينك إذا أطلقها، وذلك أن يقول (إن شاء الله) عقيبها، حتى لا يحنث. والثاني: قد شرع الله لكم تحلتها بالكفارة. ومنه قوله عليه السلام: «لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم» وقول ذى الرمّة:
قليلا كتحليل الألىّ

فإن قلت: ما حكم تحريم الحلال؟ قلت: قد اختلف فيه، فأبو حنيفة براه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه، فإذا حرّم طعاما فقد حلف على أكله، أو أمة فعلى وطئها، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية، وإن نوى الظهار فظهار، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن وكذلك إن نوى ثنتين وإن نوى ثلاثا فكما نوى، وإن قال: نويت الكذب ديّن فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء. وإن قال: كل حلال علىّ حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو، وإلا فعلى ما نوى، ولا يراه الشافعي يمينا. ولكن سببا في الكفارة في النساء وحدهنّ، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده. وعن أبى بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وزيد رضى الله عنهم: أنّ الحرام يمين وعن عمر: إذا نوى الطلاق فرجعى. وعن على رضى الله عنه: ثلاث. وعن زيد: واحدة بائنة. وعن عثمان: ظهار.
وفي رواية لمسلم «إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها». وحديث ابن مسعود مثله، وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق من طريق الطبراني عن ابن عقبة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عنه، قال: في الحرام يمين يكفرها. ورجاله ثقات مع انقطاعه. وحديث زيد بن ثابت رضى الله عنه مثله.
(5). أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن على في قول الرجل لامرأته: أنت على حرام، هي ثلاث. وهذا منقطع أيضا.
وكان مسروق لا يراه شيئا ويقول: ما أبالى أحرمتها أم قصعة من ثريد، وكذلك عن الشعبي قال: ليس بشيء، محتجا بقوله تعالى: {ولا تقولوا لِما تصِفُ ألْسِنتُكُمُ الْكذِب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ} وقوله تعالى: {لا تُحرِّمُوا طيِّباتِ ما أحلّ الله لكُمْ} وما لم يحرّمه الله تعالى فليس لأحد أن يحرّمه ولا أن يصير بتحريمه حراما، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لما أحله الله: هو حرام علىّ، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه، وهو قوله عليه السلام: «والله لا أقربها بعد اليوم»، فقيل له: {لِم تُحرِّمُ} ما أحلّ الله لك أي لم تمتنع منه بسبب اليمين، يعنى: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. ونحوه قوله تعالى: {وحرّمْنا عليْهِ الْمراضِع} أى، منعناه منها. وظاهر قوله تعالى: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} أنه كانت منه يمين.
فإن قلت: هل كفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك؟ قلت: عن الحسن: أنه لم يكفر، لأنه كان مغفورا له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية {والله موْلاكُمْ} سيدكم ومتولى أموركم {وهُو الْعلِيمُ} بما يصلحكم فيشرعه لكم {الْحكِيمُ} فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما توجبه الحكمة. وقيل: مولاكم أولى بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم.

.[سورة التحريم: آية 3]

{وإِذْ أسرّ النّبِيُّ إِلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا فلمّا نبّأتْ بِهِ وأظْهرهُ الله عليْهِ عرّف بعْضهُ وأعْرض عنْ بعْضٍ فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ منْ أنْبأك هذا قال نبّأنِي الْعلِيمُ الْخبِيرُ (3)}.
{بعْضِ أزْواجِهِ} حفصة. والحديث الذي أسر إليها: حديث مارية وإمامة الشيخين {نبأت به} أفشته إلى عائشة. وقرئ: {أنبأت به} {وأظْهرهُ} وأطلع النبي عليه السلام {عليْهِ} على الحديث، أي: على إفشائه على لسان جبريل. وقيل: أظهر الله الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم من الظهور {عرّف بعْضهُ} أعلم ببعض الحديث تكرما. قال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام. وقرئ: {عرف بعضه}، أي: جاز عليه، من قولك للمسيء: لأعرفن لك ذلك، وقد عرفت ما صنعت. ومنه: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم}، وهو كثير في القرآن، وكان جزاؤه تطليقه إياها. وقيل: المعرف: حديث الإمامة، والمعرض عنه: حديث مارية: وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: «ألم أقل لك اكتمي علىّ»، قالت: والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحا بالكرامة التي خص الله بها أباها. فإن قلت: هلا قيل: فلما نبأت به بعضهن وعرفها بعضه؟ قلت: ليس الغرض بيان من المذاع إليه ومن المعرف، وإنما هو ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به وإفشائه من قبلها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرمه وحلمه، لم يوجد منه إلا الإعلام ببعضه، وهو حديث الإمامة. ألا ترى أنه لما كان المقصود في قوله: {فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ منْ أنْبأك هذا} ذكر المنبأ، كيف أتى بضميره.

.[سورة التحريم: آية 4]

{إِنْ تتُوبا إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما وإِنْ تظاهرا عليْهِ فإِنّ الله هُو موْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ (4)}.
{إِنْ تتُوبا} خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما.
وعن ابن عباس: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عنهما حتى حج وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالإداوة، فسكبت الماء على يده فتوضأ، فقلت: من هما؟ فقال: عجبا يا ابن عباس- كأنه كره ما سألته عنه- ثم قال: هما حفصة وعائشة {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، وهو ميل قلوبكما عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه. وقرأ ابن مسعود: {فقد زاغت} {وإِنْ تظاهرا} وإن تعاونا {عليْهِ} بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره، فلن يعدم هو من يظاهره، وكيف يعلم المظاهر من الله مولاه أي وليه وناصره، وزيادة هُو إيذان بأن نصرته عزيمة من عزائمه، وأنه يتولى ذلك بذاته {وجِبْرِيلُ} رأس الكروبيين، وقرن ذكره بذكره مفردا له من بين الملائكة تعظيما له وإظهارا لمكانته عنده {وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} ومن صلح من المؤمنين، يعنى: كل من آمن وعمل صالحا. وعن سعيد بن جبير: من بريء منهم من النفاق. وقيل: الأنبياء وقيل: الصحابة. وقيل: الخلفاء منهم. فإن قلت: صالح المؤمنين واحد أم جمع؟ قلت: هو واحد أريد به الجمع، كقولك: لا يفعل هذا الصالح من الناس، تريد الجنس، كقولك: لا يفعله من صلح منهم. ومثله قولك: كنت في السامر والحاضر. ويجوز أن يكون أصله: صالحوا المؤمنين بالواو، فكتب بغير واو على اللفظ، لأنّ لفظ الواحد والجمع واحد فيه، كما جاءت أشياء في المصحف متبوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط {والْملائِكةُ} على تكاثر عددهم، وامتلاء السماوات من جموعهم {بعْد ذلِك} بعد نصرة الله وناموسه وصالحي المؤمنين {ظهِيرٌ} فوج مظاهر له، كأنهم يد واحدة على من يعاديه، فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه؟ فإن قلت: قوله: {بعْد ذلِك} تعظيم للملائكة ومظاهرتهم. وقد تقدّمت نصرة الله وجبريل وصالح المؤمنين، ونصرة الله تعالى أعظم وأعظم. قلت: مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، فكأنه فضل نصرته تعالى بهم وبمظاهرتهم على غيرها من وجوه نصرته تعالى، لفضلهم على جميع خلقه. وقرئ: {تظاهرا}. و{تتظاهرا}. وتظهرا.

.[سورة التحريم: آية 5]

{عسى ربُّهُ إِنْ طلّقكُنّ أنْ يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِنْكُنّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثيِّباتٍ وأبْكارا (5)}.
قرئ: {يبدله}، بالتخفيف والتشديد للكثرة {مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ} مقرات مخلصات {سائِحاتٍ} صائمات. وقرئ: {سيحات}، وهي أبلغ. وقيل للصائم: سائح، لأنّ السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه، فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره. وقيل: {سائحات} مهاجرات، وعن زيد بن أسلم: لم تكن في هذه الأمّة سياحة إلا الهجرة.
فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرا منهن، ولم تكن على وجه الأرض نساء خير من أمّهات المؤمنين؟ قلت: إذا طلقهن رسول الله لعصيانهن له وإيذائهن إياه، لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والنزول على هواه ورضاه خيرا منهن، وقد عرض بذلك في قوله قانِتاتٍ لأنّ القنوت هو القيام بطاعة الله، وطاعة الله في طاعة رسوله. فإن قلت: لم أخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار؟ قلت: لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات، فلم يكن بد من الواو.

.[سورة التحريم: الآيات 6- 7]

{يا أيُّها الّذِين آمنُوا قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ عليْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون (6) يا أيُّها الّذِين كفرُوا لا تعْتذِرُوا الْيوْم إِنّما تُجْزوْن ما كُنْتُمْ تعْملُون (7)}.
{قُوا أنْفُسكُمْ} بترك المعاصي وفعل الطاعات {وأهْلِيكُمْ} بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. وفي الحديث «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة» وقيل: إنّ أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله. وقرئ: {وأهلوكم}، عطفا على واو {قُوا} وحسن العطف للفاصل. فإن قلت: أليس التقدير: قوا أنفسكم، وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت: لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو، وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه، فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب نارا وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ نوعا من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة، كما يتقد غيرها من النيران بالحطب. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: هي حجارة الكبريت، وهي أشدّ الأشياء حرا إذا أو قد عليها. وقرئ: {وقودها} بالضم، أي ذو وقودها {عليْها} يلي أمرها وتعذيب أهلها {ملائِكةٌ} يعنى الزبانية التسعة عشر وأعوانهم {غِلاظٌ شِدادٌ} في أجرامهم غلظة وشدّة، أي: جفاء وقوّة. أو في أفعالهم جفاء وخشونة، لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والغضب له والانتقام من أعدائه ما أمرهُمْ في محل النصب على البدل، أي: لا يعصون ما أمر الله. أي: أمره، كقوله تعالى: {أفعصيْت أمْرِي} أو لا يعصونه فيما أمرهم. فإن قلت: أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت: لا، فإنّ معنى الأولى أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها. ومعنى الثانية: أنهم يؤدون ما يؤمرون.
قال محمود في قوله تعالى: {قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا}: قرئ {وأهلوكم}. قال أحمد: ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو، وأنفسكم واقع بعده، كأنه قال: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم، ولكن لما اجتمع ضمير المخاطب والغائبين: غلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة. ثم قال: فان قلت قوله: {لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون} أليس الجملتان في معنى واحد؟ وأجاب بأن معنى الأولى أنهم يلتزمون الأوامر ولا يأتونها... الخ. قال أحمد: جوابه الأول مفرع على قاعدته الفاسدة في اعتقاد خلود الفساق في جهنم، ولعله إنما أورد السؤال ليتكلف عنه بجواب ينفس عما في نفسه مما لا يطيق كتمانه من هذا الباطل نعوذ بالله منه، وإلا فالسؤال غير وارد، فانه لا يمتنع أن المؤمن يحذر من عذاب الكافر أن يناله على الإيمان، كقوله في آل عمران خطابا للمؤمنين {واتّقُوا النّار الّتِي أُعِدّتْ للكافِرِين وأطِيعُوا الله والرّسُول لعلّكُمْ تُرْحمُون}.
به لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه. فإن قلت: قد خاطب الله المشركين المكذبين بالوحي بهذا بعينه في قوله تعالى: {فإِنْ لمْ تفْعلُوا ولنْ تفْعلُوا فاتّقُوا النّار الّتِي وقُودُها النّاسُ والْحِجارةُ} وقال: {أُعِدّتْ للكافِرِين} فجعلها معدّة للكافرين، فما معنى مخاطبته به المؤمنين؟ قلت: الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار، فإنهم مساكنون الكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا: قوا أنفسكم باجتناب الفسوق مساكنة الكفار الذين أعدت لهم هذه النار الموصوفة. ويجوز أن يأمرهم بالتوقي من الارتداد، والندم على الدخول في الإسلام، وأن يكون خطابا للذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون، ويعضد ذلك قوله تعالى على أثره {يا أيُّها الّذِين كفرُوا لا تعْتذِرُوا الْيوْم إِنّما تُجْزوْن ما كُنْتُمْ تعْملُون} أي: يقال لهم ذلك عند دخولهم النار لا تعتذروا، لأنه لا عذر لكم. أو لأنه لا ينفعكم الاعتذار.